في مقال نشرناه في 28-11-2018، عن الوضع في الجبل بعنوان «من المصالحة الى المصارحة»، قلنا «المصارحة تعني البحث عن كيفية بلوغ المواطنين من دروز ومسيحيين وسنّة وشيعة يتقاسمون العيش في الجبل، حالة الشعور بصدق معاني المواطنة، كمساواة بين أبناء الجبل بصفتهم مواطنين، لهم حق التمتع بميزات متساوية لهذه المواطنة، وهذا يعني تساوي التقدّم الى الوظائف ونيلها، وتساوي الحصول على الموارد الطبيعية وحقوق إستثمارها والإفادة منها، والتساوي في الشعور بأمن التنقل والتحرّك والإقامة، والأمن الإجتماعي للمساهمة في البناء والإستثمار، وصولاً للتشارك في العمليات الإقتصادية والعلاقات الإجتماعية بعيداً عمّا تفرضه المجاملة السياسية، إلى حيث يكون التشاركُ فعلَ مصلحة وحاجة متبادلة وشعوراً بالندّية والثقة والأمن».
وأضفنا «الحاجة ملحّة ليرعى فخامة الرئيس وبحضور الزعيم وليد جنبلاط، ورئيس التيار الوطني الحر... وبمشاركة كل الفعاليات السياسية والروحية والنيابية، حواراً وطنياً إنمائياً يترجم بخطط للإنتقال بالجبل من مصالحة لا تزال تبدو في النصوص إلى مصالحة نريدها في النفوس، ومن مصالحة تعيش المراوحة، إلى مصالحة تعمدها المصارحة، ومن مصالحة تعيش على صدق النوايا، إلى مصالحة تضيء العتمة في المظلم من الزوايا».
وكانت خلاصتنا هي «وحدها هذه المصالحة عندما تصير شعبية نصير نحن قادة، ويصير لبنان وطناً، نستحق أن نكون أبناء له ويستحق أن يعيش فيه أبناؤنا، هو الإمتحان الوطني الكبير، ما لم نفز به في زمن القامات الوطنية الكبيرة فسنبقى عاجزين عن النهوض من حفر الماضي، مهما تحدّثنا عن قمم المستقبل».
اليوم وبعد حادثة قبرشمون حيث يسهل الكلام الشعبوي الذي يصب الزيت على النار، فينتصر بصورة عمياء للموقع السياسي وللحليف والطائفة، ويضع كل الشرور في الآخر الحزبي والطائفي والسياسي، ويستثمر في الغرائز بدلاً من العقول، نقول ونحن نؤكد مكاننا تحت الراية التي يمثلها فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وموقعنا في تكتل لبنان القوي الذي يترأسه الوزير جبران باسيل، وكتلة ضمانة الجبل التي يترأسها النائب طلال إرسلان، أننا بالقدر ذاته متمسكون بأن تأخذ العدالة مجراها في كشف تفاصيل ما جرى وإحقاق الحق بالنسبة للدماء التي نزفت، مؤمنون بأنّ المطلوب تفكير هادئ يعترف بأنّ القضية ليست في حادثة، ولا بإنعدام الإتصالات واللقاءات والمناسبات، بل بغياب المصارحة، والمصارحة شرط لتحويل المصالحة الى نمط حياة، وهي ليست كذلك، فالمصالحةُ بين اللبنانيين وطيُّ صفحة الحرب مسار لا يكون قائماً ما لم يكن بين المسيحيين والدروز، الذين عرفوا الآلام الأشد قساوة للحرب، والجبل هو المنطقة التي تختزن هذه الآلام، ويجب أن تشهد على المصالحة وتشهد فصولها الكاملة بكل ما تستدعيه من مصارحة.
في الجبل نقول مرة أخرى ولمزيد من الإيضاح، كل القلق الوجودي الذي يجتاح لبنان واللبنانيين، فالقلق المسيحي هو اصلاً قلق الجبل حيث الإمتحان الحقيقي للعيش المشترك الذي يوفر الشعور بالثقة والسكينة والشراكة، والمسيحيون الذين يعيشون هاجس التحوّل إلى أقلّية ديموغرافية في عالم إسلامي تنمو فيه التيارات المتطرفة، يتمسّكون بقيادة مَن أعادهم إلى الدولة وطلب منهم الثقة بأنها ملجأهم ومصدر أمانهم، بتفاصيل التفاصيل التي يؤمّنها لهم ميثاق العيش المشترك لتأكيد حضورهم في الدولة الضامنة لهذا العيش، والتي تشكل الرسالة الوحيدة في هذا الشرق عن بقائهم وشراكتهم، ولأنهم عاشوا إمتحان الحرب القاسية والمؤلمة في الجبل. ففي الجبل يختبرون معايير السلم الأهلي والعيش المشترك، ومقابلهم شركاؤهم في لبنان القديم، الدروز الذين يعيشون هاجساً مشابهاً لكونهم أقلية في لبنان والشرق، ويتمسكون بقيادة من مثلهم في تطبيق الطائف، بتفاصيل التفاصيل لما نالوه خلال تطبيق الطائف قبل العودة المسيحية الفعلية إلى الدولة، لذلك لا بدّ للمصارحة من أن تحقق بينهم الثقة وتضع الأسس الحقيقية للمشاركة بينهم وبين ممثليهم السياسيين الذين يتمتعون بثقتهم، بإنصاف يتراضونه ويعتمدونه أساساً لجعل المصالحة نمط حياة، وبتزامن هاجس السياسة مع هاجس الوجود، مع نتائج تطبيق نظام إنتخابي قائم على النسبية، يحمي التعددية السياسية في الطوائف، تصيرالحاجة للمصارحة والمصالحة أفقية وعمودية، مصارحة داخل الطوائف ومصارحة بين الطوائف بتعدد مكوّناتها السياسية، بدونهما تكون المصالحة هشة ومعرّضة للأزمات عند كل منعطف.
نحن مع ما قاله فخامة الرئيس حرفياً، بأن تطبق كامل مقررات المجلس الأعلى للدفاع، وبأن لا تكون في لبنان كانتونات مغلقة، وبأن تُحمى حرية التعبير والمعتقد والتنقل وحق الإختلاف، ونحن ايضاً مع مصارحة يجتمع تحت لواء فخامة الرئيس، على مائدتها قادة الجبل من كل الطوائف وداخل كل الطوائف، ليتقاسموا ويتشاركوا أعباء النهوض من كبوةٍ لا يجوز أن تطول وإلّا ترنّح لبنان تحت وطأتها.